السلام عليكم والرحمة
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
لا شك في
أن للصلاة أهمية كبرى في الدين الاسلامي فهي العبادة التي إن قُبلت قُبل ما سواها و
إن رُدَّت رُدَّ ما سواها ، و لا شَكَّ بأن من علامات فلاح الإنسان المؤمن هو
تمكّنه من أداء صلواته بخشوع و حضور قلب ، و ذلك لقول الله عزَّ و جَلَّ : ﴿قَدْ
أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ .
و
حديث النفس بإعتباره عاملاً من عوامل صرف الفكر و القلب عن التوجه إلى الله جل
جلاله يُعدُّ آفة من الآفات المعنوية الشائعة التي تعترض طريق عباد الله المؤمنين
بصورة عامة بل حتى الخواص منهم ، حيث لا ينجو من هذه الآفة إلا من رحمه الله
.
و ليس من شك أيضاً بأن حضور القلب والخشوع في الصلاة إنما هو هِبةٌ ربانية
تحتاج إلى وعاءٍ طاهر و نقي و ذلك لايتهيء إلا بتوفيق من اللّه و تسديده .
*******************
كيف نحصل على الخشوع في الصلاة ؟
لمعرفة
السُبُل المؤدية إلى تحصيل حالة الخشوع و التوجه و الإنقطاع إلى الله جلَّ جلاله ،
و كذلك للتعرُّف على موانع الخشوع و العلل المؤثرة في حرمان الإنسان من الوصول إلى
هذه المرتبة السامية ، لابد و أن نُصَنِّفَ هذه السُبُل و العلل حتى يسهل علينا
دراستها و التوصُّل من خلالها إلى ما نَتمنَّاهُ من درجات الخشوع و الإنقطاع إلى رب
العالمين عزَّ و جَل َّبعونه و بتوفيقه .
ما هي موانع الخشوع؟
إن
الأمور و المؤثرات التي تمنع الإنسان من الوصول إلى حالة الخشوع والإنقطاع إلى الله
جلَّت عظمته كثيرة نُشير إلى أهمها فيما يلي :
1. المعاصي و الذنوب :
و
ليس من شك بأن الإلتزام بتعاليم الدين و قيمه و حلاله و حرامه هو من أهم العوامل
التي توفِّق الإنسان للعبادة و تُوجد فيه حالة الخشوع و الانقطاع إلى الله سبحانه و
تعالى .
أماالإنسان المذنب و المرتكب للمعاصي فهو في حالة إبتعاد دائم و
مستمر عن حالة الخشوع من جانب ، و في إقبال نحو وساوس الشيطان من جانب آخر ، و قد
يُسلَب منه التوفيق للعبادة و يُحرم منها لتورطه في المعاصي و الذنوب
.
2. الكسب الحرام :
و المقصود منه الإبتعاد عن كل أنواع الكسب
الحرام و الحرص على حلِّية و نظافة طرق إكتساب المعيشة كالوظيفة أو التجارة التي
يمارسها الإنسان ، أو غيرها من موارد الإكتساب ، ذلك لأن للمأكل و الملبس والمكان و
غيرها من الأمور ـ التي تُعتبر من المقدمات في العبادات ـ أثراً عظيماً في إيجاد
الخشوع ، و هذه الأمور إنما تتوفر للإنسان بالمال و إذا لم يكن المال المتكسب
حلالاً فسوف تتأثر أعمال الإنسان بذلك بصورة عامة و خاصة العبادية منها ، و أول هذه
التأثيرات تظهر على القلب فتسلب منه النقاء و الخشوع و تجعله عُرضةً لوساوس
الشيطان، و من ثم لا يقبل الله له عملاً .
مضافاً إلى أن الجسم يستمد قوته
في العبادة من الطعام و الشراب ، فإذا كان طعام الإنسان و شرابه حراماً و مكتسباً
من غير حلِّه بانَ تأثيرهما على العبادة فوراً ، بل إن التأثير المعنوي للطعام
والشراب يبقى في جسم الإنسان و روحه فترةً طويلة .
و عموماً فإن للطعام و الشراب
أثراً قوياً في تهيئة الظروف الروحية و النفسية للعبادة من حيث السلب و الإيجاب
.
و لا بُدَّ أن نعرف أيضاً بأن للوسواس درجات كما أن للخشوع درجات ، فمن
زاد تورّعه عن الحرام و الشُبُهات إزداد خشوعاً ، و من تساهل في شيء منها قلَّ
خشوعه و ضَعُف توجُهه إلى الله عزَّ و جَلَّ بنفس النسبة .
3. إمتلاءُ البطن
:
فقد رَوى أبو بَصِيرٍ عَنْ الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام )
قَالَ : قَالَ لِي :
" يَا أَبَامُحَمَّدٍ إِنَّ الْبَطْنَ لَيَطْغَى مِنْ
أَكْلِهِ ، وَ أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنَ اللَّهِ جَلَّ وَ عَزَّ إِذَا
خَفَّ بَطْنُهُ وَ أَبْغَضُ مَايَكُونُ الْعَبْدُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ
إِذَا امْتَلَأَ بَطْنُهُ " .
4. العوامل الأخرى :
و هناك عوامل أخرى
تُسبب شرود الذهن في الصلاة مثل :
التعب و النعاس و الفرح و الحزن و المرض و
المكان غير المناسب ، و غيرها .
</i>
موجبات
الخشوع :
و بعد أن وفَّقنا الله تعالى لرفع الموانع و العقبات الموجودة أمامنا
للحصول على التركيز و الخشوع في العبادة ، يأتي دور الحديث عن العوامل الإيجابية في
إيجاد حالة التوجه و الإنقطاع إلى الله عزَّ و جَلَّ في العبادةعموماً و في الصلاة
بوجه خاص .
1. الإيمان و اليقين :
إن الشرط الأول و الأساس لتحصيل حالة
الخشوع و الإنقطاع إلى الله عزَّو جَلَّ إنما هو تحصيل الإيمان و اليقين ، فالإيمان
هو الذي يجعل الأرضية خصبة لنمو روح الخشوع و التوجه التام إلى الله ، و لولا
الإيمان لم يكن للخشوع من معنى كما هو واضح ، و كلَّما إزداد الإنسان إيماناً إزداد
خشوعاً .
و واضحٌ أيضا بأن الإيمان إنما يزداد عن طريق زيادة معرفة الإنسان
بالله سبحانه و تعالى .
2. التخلّص من كل ما يُشتِّتُ الفكر و يُشغل
الذهن :
يجب أن لا ننسى بأن من أسباب شرود الذهن و عدم التركيز حين الصلاة و
العبادة و إنعدام حضور القلب لدى المصلي هو إنشغال فكره بالمشاكل التي تقلق بالَه ،
أو تعلُّق قلبه بما يهمه من أمور دنياه ، فما أن يدخل في صلاته إلا وتتوارد عليه
الأفكار و المشاكل المختلفة و تتجاذبه المغريات الكثيرة التي تُحيط به، فكم من مؤمن
حريص على أداء صلاته بحضور القلب منعته أفكاره من الوصول إلى هدفه السامي ، و ما أن
يُتمُّ صلاته حتى يكتشف بأن روحه لم تكن في الصلاة بل كانت خلال فترة الصلاة سارحةً
في وديان الخيال و الآمال و التصورات ، أو يجد أنه كان يُتابع مسلسلاً تلفزيونياً ،
أو مباريات لكرة القدم ، أو كان يعقد صفقة تجارية مبرحة ، إلى غير ذلك .
ما هو
الحل ؟
لكي يتخلَّص المُصلِّي من أمثال هذه الأفكار ويتمكَّن من الإقبال بقلبه
كُلِّه على الله لا بُدَّ له من قطع الصلة بينه و بين كلما يدور حوله حال كونه في
الصلاة ، و هذا الأمر لا يتسنى له حتى يُعطي الصلاة حقها .
نعم للصلاة
الكاملة و التامة شروط و آداب ينبغي معرفتها و المواظبة عليها حتى تتوفر الأجواء
المناسبة للصلاة بإبتعاد الإنسان عن كل ما يُشغل فكره وإهتمامه و ينقطع عنها بصورة
تامة أثناء مناجاته لرب العالمين .
و حالة الإنقطاع هذه يمكن تحصيلها عن
طريق الالتزام بالمستحبات التي ترتبط بمقدمات الصلاة كالوضوء و الأذان و الإقامة و
لباس المصلي و مكانه و غيرها .
و من مميزات هذه المستحبات و الآداب أنها
تُبعد الإنسان عن تعلُّقاته الدنيوية رويداً رويداً ،و تهيؤه للدخول في الصلاة بقلب
خاشع شيئاً فشيئاً .
أما الذي لا يواظب على هذه المستحبات و يدخل في الصلاة
فجأةً من دون أي مقدمات إنما يعطي الضوء الأخضر للشيطان و يُمكِّنه من نفسه لكي
يسلُب منه التوجه و الخشوع ، ذلك لأنه لم يقطع صلته بَعدُ بما قبل صلاته من أفكار و
أعمال ، و لم يهيء نفسه للدخول في الصلاة كما ينبغي
.
***************
عوامل أخرى مؤثرة في إيجاد الخشوع
:
وهناك عوامل أخرى تؤثر في إيجاد حالة التوجه و الخشوع و حصول التركيز لدى
المصلِّي نُشير إليها بإيجاز كالتالي :
1. الإهتمام بأوقات الصلوات .
2.
إختيار المكان المناسب للصلاة من حيث الهدوء و عدم وجود ما يُصرف إنتباه المُصلِّي
أمثال الأصوات و الصور و حضور الآخرين و النافذة أو الباب المفتوح أمام المصلِّي
وغيرها من الأمور .
3. تركيز النظر إلى محل السجدة في حال القيام و القراءة
والتشهد و السلام .
4. التدبّر في معاني الكلمات و الأذكار التي تُقال في الصلاة
.
5. تعويد النفس على الرجوع إلى حالة الخشوع كلما عرض للإنسان شيء من العوامل
الصارفة .
6. المواظبة على النوافل .
7. المواظبة على الأدعية و الأذكار و
التعقيبات الخاصة بكل صلاة .
8. أكل الرمان فإنه مفيد لمعالجة الوسواس و حديث
النفس .
و أخيراً :
و أخيراً نُذَكر بأن لحديث النفس أنواع و صور
مختلفة ، فمنها ما هو من قبيل الشك في العقيدة بسبب ما يلقيه الشيطان و يسببه من
وساوس في صدور الناس طمعاً منه في التغلُّب عليهم و إبعادهم عن جادة الحق و الصواب
، فيلقي في نفوسهم الشبهات و التشكيكات و يبذل كل ما بوسعه من أجل تحقيق مآربه و
نواياه ، و يتوسل بكل الأساليب و الوسائل ، إلى غيرها .
و نحن نسأل الله
عزَّ و جَلَّ أن يُبعد عنا الشيطان و وساوسه في جميع الحالات خاصة حال الصلاة و
العبادة ، و أن يوفقنا ويوفِّقَ جميع المؤمنين للصلاة التامة و المقبولة بقلوب
خاشعة و منقطعة إلى رب العالمين ، إنه مجيب الدعاء ..[/quote]