:besm:
ذكاء أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعن أبيها
الدكتور نعيم محمد عبد الغني
لا أكتب هذا المقال ردا على الذين افتروا
على السيدة عائشة مؤخرا من الرافضة ،
فهم أقل من أن نشغل أنفسنا بذلك، بل
أكتب هذا المقال لإماطة اللثام عن بعض
ملامح التفرد التي تميزت بها السيدة
عائشة رضي الله عنه، لتقرأ فتدرس،
وتكون قدوة يقتدى بها، وأثرا يسار عليه.
وبداية فمن الصعب أن نختزل مفردات
الحكمة في شخصية السيدة عائشة
في هذه المساحة، فهي شخصية
متفردة في أشياء كثيرة؛ حيث تنحدر من
قبيلة بني تميم التي تميزت بين القبائل
العربية بحسن معاملتها للمرأة، وتفردت
بانتمائها إلى بيت الصديق الذي كان أشد
بيوت هذه القبائل محبة للنساء حتى قال
صاحب الأغاني: «إنهن كن أحظى خلق
الله عند أزواجهن».
كما تفردت أم المؤمنين برعاية لم تحظ
واحدة بمثلها؛ فقد تربت على النعمة
والخير، وتدربت على العزة والكرامة
وتعلمت القراءة التي لم يكن يتعلمها من
نجباء الأبناء في بيوت السادة إلا القلة
المعدودة.
وتفردت من بين إخوتها أنها ورثت كثيرا
من صفات أبيها؛ فلقد كان الصديق –
رضي الله عنه – وسيما قسيما حتى
أطلق عليه لقب العتيق أي الجميل وكان
شديد النشاط حاد الذكاء، وقد ورثت منه
السيدة عائشة أغلب هذه الصفات فقد
كانت جميلة،لها بشرة بيضاء، وشعر
أحمر كان سببا في أن تلقب بالحميراء،
تميل إلى الطول، لها صوت جهوري، حادة
في ذكاء ورثته عن أبيها، وتجلى في
بديهة حاضرة، وسرعة في الفهم، وقدرة
على التحصيل، والإحاطة بكل ما يقع في
متناول ذهنها، قال أبو الزناد ما رأيت أحدا
أروى للشعر من عروة بن الزبير، فقيل له
ما أرواك، فقال: وما روايتي في رواية
عائشة ما ينزل بها شيء إلا أنشدت فيه
شعرا.
ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه واله وصحبه وسلم
دخل عليها فسمعها تنشد يوما:
ارفع ضعيفك لا يحر بك ضعفه * يوماً فتدركه العواقب قد نمـا
يجزيك أو يثني عليك وإن مـن * أثنى
عليك بما فعلت فقد جزى
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد
أتاني جبريل برسالة من ربي أيما رجل
صنع إلى أخيه صنيعة فلم يجد له جزاء
إلا الثناء عليه والدعاء له فقد كافأه)، ولقد
أنشدت ساعة وفاة أبيها
وكل ذي غيبة يؤوب....وغائب الموت لا
يؤوب
وتفردت أم المؤمنين عائشة بين أزواج
النبي بكثرة مروياتها عن النبي صلى الله
عليه وسلم؛ فلقد حفظت أكثر من ألفي
حديث لم تنس منها حرفاً، ولم يقتصر
دورها على الحفظ فقط بل كانت تفهم
وتحلل وتستنبط قال أبو موسى
الأشعري: ما أشكل علينا أمر فسألنا
عنه عائشة إلا وجدنا عندها علما فيه،
وقال عطاء بن أبي رباح كانت أفقه الناس
وأعلم الناس وأحسن الناس رأيا في
العامة.
وقال مسروق رأيت مشيخة أصحاب
رسول الله الأكابر يسألونها عن الفرائض
وقال عروة: ما رأيت أحدا أعلم بفقه ولا
بطب ولا بشعر من عائشة
ومن الأحاديث المرفوعة إلى النبي صلى
الله عليه وسلم أنه قال: (خذوا نصف
دينكم عن هذه الحميراء).
وإذا بلغها حديث عن صحابي من صحابة
رسول الله فإنها لا تكذب الصحابي؛ لأن
الصحابة كلهم عدول، بل تعدل من الرواية
بما بلغها عن رسول الله، ومن ذلك
الحديث الذي أخرجه البخاري عن أبي
هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: (الشؤم في ثلاث: المرأة
والفرس والدار) فقالت: نسي أبو هريرة
إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا
قاتل الله اليهود إنما قالوا: إنما الشؤم في
ثلاث المرأة والفرس والدار).
فحكمة أم المؤمنين عائشة تجلت في
النظر إلى السند فلم تكذب أبا هريرة أكثر
أصحاب الرسول رواية عنه بعد عبد الله بن
عمرو بن العاص، ونظرت إلى المتن
فوجدته ينافي العقل والنقل؛ فثلاثة من
سعادة ابن آدم الزوجة الصالحة والدابة
والدار الفسيحة) وقد وردت أحاديث بذلك،
لكن اليهود اعتبروها شؤما، فحفظ أبو
هريرة شطرا ونسي الآخر.
لقد حكت السيدة عائشة عن بعض هذا
التفرد فقالت: (فضلت على نساء النبي
بعشر، لم ينكح بكرا قط غيري، ولا امرأة
أبواها مهاجران غيري، وأنزل الله براءتي
من السماء، وجاء جبريل بصورتي من
السماء في حريرة، وكنت أغتسل أنا وهو
في إناء واحد، ولم يكن يصنع ذلك بأحد
من نسائه غيري، وكان يصلي وأنا
معترضة بين يديه دون غيري، وكان ينزل
عليه الوحي وهو معي ولم ينزل وهو مع
غيري، وقبض وهو بين سحري ونحري،
وفي الليلة التي كان الدور علي فيها
ودفن في بيتي»
إن هذا التفرد الذي حكينا جانبا منه
يستنبط منه العقاد رأيه بأن آداب العربية
والإسلام كأنها وجهت إلى السيدة
عائشة؛ فلقد نشأت في بني تميم الذين
اشتهروا بتدليل نسائهم ثم حظيت بما
تحظى به المرأة المسلمة من تكريم وزاد
على ذلك أنها ملكت الحظوة من بين
نساء النبي فكانت أحبهن إلى قلب
المصطفى –صلى الله عليه واله وصحبه
وسلم-
[/i]